الديوان : قصائد وشعر نزار قباني . الشاعر/الكاتب : نزار قباني

1

أرتكب القصيدة المعاصرة

أخرج كالعصفور من مربعات الذاكرة

أخرج نحو البحر

أرتكب الخيانة العظمى التي

يقال عنها: الشعر

أنتزع الأشكال من أشكالها

أزعزع الأشياء من مكانها

أزرع سكيني بصدر العصر..

أمارس العشق على طريقتي

في الجهر، لا في الستر

أفعله تحت المطر

أفعله تحت الشجر

أفعله على حجر

مخترقا كل الخطوط الحمر ..

أرتكب الشعر .. ولا يهمني

إن قيل هذا بدعة

أو قيل هذا كفر

فلا أريد العفو من خليفة

أو من طويل العمر

ولست أنوي ..

حذف بيت واحد كتبته

إن جاء يوم الحشر ..

***

أرتكب القصيدة الكثيرة الخطايا

أرتكب القصيدة العظيمة الذنوب

وأكتب النص الذي يخترع الدروب ..

وأكره الشمس التي تطلع دون موعدها

وأعشق الشمس التي تطلع دون موعد

من شفة المحبوب ..

***

أقلد الشعر الذي يكتبه الأطفال

وأرسم القصيدة- الأرنب، والقصيدة- الغزال

وأرسم القصيدة- النحلة،

والقصيدة- البطة،

والقصيدة- الطاووس،

والقصيدة- السنجاب،

والقصيدة الزرقاء كالهلال

وأرسم القصيدة- الإعصار،

والقصيدة- الزلزال،

أحول الأرض إلى فراشة جميلة

أحول الدنيا إلى سؤال ..

***

أرتكب القصيدة المغامرة

واللغة المغامرة

والصور المغامرة

ألهث فوق الورق الأبيض كالمجنون

أشرب ضوء القمر الطالع من حدائق العيون

أدخل في رائحة النعناع،

في كثافة السماق،

في تجمع المياه تحت الأرض،

في حرائق العقيق،

في توجع الليمون ..

أرتكب الموت على نهدين طائشين

يجهلان، ما هو القانون ؟؟

***

أرتكب النبيذ ..

والأريكة الخضراء ..

والدشداشة المصرية النقوش ..

والقرط العراقي الذي

يسرح كالغزال فوق عنقك الطويل ،

والخلخال في الساقين ..

والعطر الخرافي الذي يخترق الأعماق كالسكين ،

والخصر الذي تحسبه حقيقة

ثم إذا تمسكت به ،

يغيب كالظنون ..

***

أصرخ تحت المطر الأسود في عينيك..

كالمجنون..

أرحل من مرافئ الشعر الذي كان

إلى مرافئ الشعر الذي يكون…..

جنيف 25-1-86