الديوان : قصائد وشعر نزار قباني . الشاعر/الكاتب : نزار قباني

1

في مركز للأمن في إحدى البلاد النامية

وقفت عند نقطة التفتيش،

ما كان معي شيء سوى أحزانيه

كانت بلادي بعد ميل واحد

وكان قلبي في ضلوعي راقصا

كأنه حمامة مشتاقة للساقية

كان جوازي بيدي

يحلم بالأرض التي لعبت في حقولها

وأطعمتني قمحها، ولوزها، وتينها

وأرضعتني العافية ..

***

وقفت في الطابور،

كان الناس يأكلون اللب.. والترمس..

كانوا يطرحون البول مثل الماشية

من عهد فرعون.. إلى أيامنا

هناك دوما حاكم بأمره

وأمة تبول فوق نفسها كالماشية..

2

في مركز للأمن في بلاديه

وليس في الكونغو.. ولا تانزانيا

الشمس كانت تلبس الكاكي ،

والأشجار كانت تلبس الكاكي ،

والوردة كانت تلبس الملابس المرقطة ..

كان هناك الخوف من أمامنا

والخوف من ورائنا

وضابط مدجج بخمس نجمات .. وبالكراهية

يجرنا من خلفه كأننا غنم

من يوم قابيل إلى أيامنا

كان هناك قاتل محترف

وأمة تسلخ مثل الماشية …

3

في مركز العذاب، حيث الشمس لا تدور ..

والوقت لا يدور ..

وحيث لا يبقى من الإنسان غير الليف والقشور

يمتد خط أحمر ..

ما بين برلينين، بيروتين، صنعائين،

مكتين، مصحفين، قبلتين،

مذهبين،

لهجتين،

حارتين،

شارتي مرور..

الرعب كان سيد الفصول

والأرض كانت تشحذ الأمطار من أيلول

ونحن كنا نشحذ الأمر الهمايوني بالدخول ..

واعجبي …

أكلما استقل شعب من شعوب آسيا

يسوقه أبطاله للذبح مثل الماشيه ؟؟

4

أين أنا ؟

كل العلامات تقول :

هذه أعرابيا ..

كل الإهانات التي نسمعها

بضاعة قديمة تنتجها أعرابيا

كل الدروب، كلها

تفضي لسيف الطاغيه ..

أين أنا؟

ما بين كل شارع وشارع ..

قامت بلد ..

ما بين كل حائط وحائط ..

قامت بلد ..

ما بين كل نخلة وظلها ..

قامت بلد ..

ما بين كل امرأة وطفلها..

قامت بلد..

يا خالقي : يا راسم الأفق، ويا مهندس السماء

هل ذلك الثقب الذي ليس يرى

هو البلد ؟؟؟

5

في مركز الجنون، والصداع، والسعال، والبلهارسيا

وقفت شهرا كاملا

وقفت عاما كاملا

وقفت دهرا كاملا

أمام أبواب زعيم المافيا..

أشحذ منه الإذن بالمرور ..

أشحذ منه منزل الطفوله

والورد، والزنبق، والأضاليا

أشحذ منه غرفتي

والحبر، والأقلام، والطبشور

قلت لنفسي وأنا..

أواجه البنادق الروسية المخرطشة

واعجبي .. واعجبي ..

هل أصبح الله زعيم المافيا ؟؟

6

في مركز للخوف لا اسم له

لكنه ..

ينبت مثل الفطر في كل زوايا الباديه

وقفت عمرا كاملا

وعندما أصبحت شيخا طاعنا

ووافقوا على دخولي وطني

عرفت أن الوطن الغالي الذي عشقته

ما عاد في الجغرافيا..

ما عاد في الجغرافيا..

ما عاد في الجغرافيا..

جنيف أيار مايو 1986