الديوان : قصائد وشعر نزار قباني . الشاعر/الكاتب : نزار قباني

1
.. وحاولت بعد ثلاثين عاماً من العشق أن أستقيلا ..
وأعلنت في صفحات الجرائد أني اعتزلت قراءة ما في عيون
النساء .. وما في رؤوس النساء .. وما تحت جلد النساء ..
وأغلقت بابي .. لعلي أنام قليلا ..
وأغمدت سيفي .. وودعت جندي ..
وودعت خيلي التي رافقتني زماناً طويلا ..
وسلمت مفتاح مكتبتي للصغار
وأوضحت كيف يصرف فعل الهوى
وكيف تصير الحبيبة شمساً ..
وكيف تصير يداها نخيلا ..
2
وحاولت إقناع شعرك أن لا يطول كثيراً على كتفيك ..
وأن لا يكون جداراً من الحزن فوق حياتي ..
ولكن شعرك خيب كل الظنون ، وظل طويلا ..
وأوصيت جسمك أن لا يثير خيال المرايا ..
ولكن جسمك خالف كل الوصايا .. وظل جميلا ..
وحاولت ِإقناع حبك أن إجازة عام ..
على البحر .. أو في أعالي الجبال .. تفيد كلينا
ولكن حبك ألقى الحقائب فوق الرصيف
وأخبرني أنه لا يريد الرحيلا ..
3
وحاولت إقناع نهديك .. باللين حيناً .. وبالعنف حيناً ..
بأني خسرت الرهان ..
وأن الحصان الذي كان يحرث أرض الكواكب ..
مل الوثوب .. ومل الصهيلا ..
ولكن صدرك ظل يقاتل شبراً فشبراً ..
وبراً وبحراً .. إلى أن رماني قتيلا ..
4
وحاولت أن أستريح ككل الخيول التي أنهكتها الحروب
أليس له الحق أن يستريح المحارب؟
وحاولت حذف مدينة بيروت من ذكرياتي
وإلغاء كل الشوارع فيها ..
وكل المطاعم … كل المسارح فيها ..
وحاولت أن أتجنب كل المقاهي التي عرفتنا كلينا
وتشعر بالشوق نحو كلينا
ونحفظ – رغم مرور الزمان – خطوط يدينا
وحاولت نسيان كل الضواحي الجميلة ما بين صيدا وبين
جبيل ، ونسيان رائحة البرتقال ، وصوت الجنادب
ولكن حبك ما زال يرفض كل الحلول
ويقتحم النفس في آخر الليل ، مثل صفير المراكب ..
5
كتبت خطاباً طويلاً لبيروت ..
أعلمتها فيه ، أني اتخذت قراري
وسلمت مفتاح بيتي إليها .. ومفتاح داري ..
وأعطيت دوري لغيري ،
وأعلنت أني استقلت من المسرحيه
وودعت وجه حبيبي المصور فوق قماش الصواري
وفوق الرمال ، وفوق المحار
وقلت وداعاً :
أيا وردة الليل ، يا دفتر الحلم ، يا خاتم الشمس ،
يا بحر ، يا شعر ، يا أبحديه
وداعاً لكل الحبيبات في رأس بيروت .. والأشرفيه ..
6
شرحت لبيروت
أن ثلاثين عاماً من العشق تكفي ..
ولكنها اعتذرت عن قبول اعتذاري ..