الديوان : قصائد وشعر نزار قباني . الشاعر/الكاتب : نزار قباني

هذه الرسائل المئة التي أنشرها ، هي آلّ ما تبقى من غبار حبي .. وغبار
حبيباتي …
ولا أعتقد أنني أنشرها ، أخون أحداً أو أعتدي على عذرية أحد .
فأنا شاعر آان له – آكل الرجال – تراث من العشق لا يختجل به ،
ومجموعة من الرسائل لم يجد الشجاعة الكافية لإلقائها في النار ..
وأنا لا أنكر أنني فكرت في النار ، آحل أخير يحررني من هذه الترآة
الثقيلة من الرسائل التي أحتفظ بها .. ويحرر جميع حبيباتي ..
غير أني حين رجعتُ إلى محتويات هذه الترآة .. وجدتُ أن بعض هذه
الرسائل فيه شيء آثير من قماشة الشعر .. وبعضها الآخر شعر حقيقي .
عندئذ ، ترجعتُ عن عملية الحرق .. والتقطتُ من بين أآداس الرسائل
مئة رسالة .. أو مقاطع من رسائل وجدتُ فيها إيقاعاً شعرياً وإنسانياً ،
يتجاوز إطار الخصوصيات إلى إطار العموميات . رغم قناعتي بأن الخطّ
الذي يرسمه الناس بين خصوصيات الفنان وعمومياته هو خطّ وهمي .
ثم إني أعتقد أن الكاتب لا يكون في ذروة حريته إلا في مراسلاته
الخاصة ، أي عندما يقف أما المرآة متجرداً من أقنعته وثيابه المسرحية التي
يفرض المجتمع عليه أن يرتديها ..
فالرسائل هي الأرض المثالية التي يرآض الكاتب عليها ، آطفل حافي
القدمين ، ويمارس فيها طفولته بكل ما فيها من براءة ، وحرارة ، وصدق .
إنها اللحظات الصافية ، التي يشعر فيها الكاتب أنه غير مراقب . وغير
خاضع للإقامة الجبرية .
*
وانا بالرغم من الحرية التي آنتُ أمارسها آشاعر ، آنتُ أحسّ في آثير
من الأحيان بأنني مقيد بأصول الشعر ، وقواعده ، وإطاراته العامة ، وأن
هناك أشياء خلف ستائر النفس ، تريد أن تعبّر عن ذاتها خارج شكليّات
الشعر ومعادلاته الصارمة .
وبتعبير آخر .. آانت هناك منطقة في داخلي ، تريد أن تنفصل عن
سلطلة الشعر ..
تريد أن تتجاوز الشعر ..
*
ومرة أخرى ، أود أن أقول ، إنني لا أبتغي من نشر هذه الرسائل إحراج
أية امرأة ، أو آشف أوراقها .
فالتشهير ليس من هواياتي ، والتشخيص لا يهمني أبداً لأن النساء يأتين
ويذهبن .. آما يأتي الربيع ويذهب .. وآذلك الحبّ .. فهو مسافر قصير
الإقامة .. لا يفتح حقائبه حتى يغلقها .. ويرحل من جديد ..
إن الحبّ انفعال رائع ، بغير ريب ، ولكن الأروع منه هي هذه الحرائق
التي يترآها على دفاترنا ، وذلك الرماد الذي يبقى منه على أصابعنا ..
والمرأة هي الأخرى جميلة ، ولكن الأجمل منها هو آثار أقدامها على
أوراقنا .. بعد أن تذهب .
*
وبعد .. فهذه الرسائل هي آلّ ما تبقى من غبار حبي .. ومن غبار
حبيباتي ، وأنا أنشرها لأنني مؤمن أن عشق الفنان ليس عشقه وحده ولكنه
عشق الدنيا آلها .. ورسائله إلى حبيبته مكتوبة إلى آل نساء العالم ..