الديوان : قصائد وشعر غادة السمان . الشاعر/الكاتب : غادة السمان

طويلا تمددت على الشفرة
بين قارة الحب وقارة الوداع ..
وتعذبت بصمت
وها قد هبط طائر النسيان أخيرا
واستقر فوقي كرخ اسطوري
وهيمن على جسدي وروحي
وها هو يلفني بجناحيه :
جناح النوم
وجناح السكينة
بعدما عصفت بي رياح الأرق والعذاب
وطوحتني في الفراغ ريشة دامية ..

اني لاأصدق
كيف انتقلت فجأة من مرحلة الجمر
على مرحلة الرماد
وصار اسمك نبعا للذكريات العذبة
الذكريات الذكريات
الذكريات : لاأكثر!...
وانتهت رحلة الخروج
عن منطق الزمان والمكان ...
وعاد قلبي ليدق ببطء وانتظام
وفقا لقوانين الفيزياء ...
بعد أن كانت ضرباته لك 
قرعات طبل وثني في معبد للعراة والشمس ..

وانتهت مرحلة الجمر
وها أنا أعود إلى نافذتي العتيقة
أتكوم داخل جسدي العتيق
أرقب الخريف يزحف إلى الحديقة
وفي دمي صهيل أحصنة لا تتعب
تحمل إلى باستمرار
أفراح الربيع المقبل وفارسه ..

عمر الكبرياء عندي
أطول من عمر الحب
ودوما يشيع كبريائي حبي إلى قبره

ولم أدر أبدا
جلادا كنت أم ضحية !..
قاتلة أم مقتولة ؟..
في الحب يختلط الدوران

من خلف براري الحزن
يعود وجهي إلي
وقد خلف هناك جسد أيامنا الماضية
هامدا ومنسيا ومصلوبا كفزاع طيور ...


طالما استيقظت مشنوقة بحبل ياسمين
اشتريته لي في الليلة الفئتة ..
أتأرجح وأتدلى في الفجر الزجاجي الساخر
وأصرخ اسمك
بحنجرة مقطوعة !

كان من المستحيل
أن ينبت قمحي فوق صخرتك
وكنت أعرف ذلك منذ البداية ..
ولكنني نشرت فوقك سحبي
واحتضنتك كما يحتضن البحر الأفق
فالمستحيل حرفتي

ظللت زمنا طويلا
والكدمات تملأ قلبي
والمستحيل حرفتي 
وأحبك !..

الآن تتناثر أيامنا الجميلة كالغبار المضيء
كل ذلك الماضي الذب
تحت عجلات قطار الزمن

لقد أحببتك زمنا
لكنني لم أفقد القدرة أبدا 
على التمييز بين أعضاء جسدي
وأغلالي !..

من اليأس البارد
تشرق دوما شمسي السوداء
وأعود صلبة وكثيفة وحارة
أصير امرأة مسكونة بالآهات
التي لم تقتلها !..
تشرق شمسي السوداء
وأصير منصهرة وصلبة
لأنني أعاود طيراني
محرقة ومحترقة
دونما نهاية ...
لقد احترقت عشرات المرات
حتى غادرني غباري وبكائي
وغادرني نسيج العنكبوت
الذي تحيك منه النساء عادة
عواطفهن الميلودرامية ...
فشمسي السوداء
تشرق دوما من جرحي
تحرق رخاوة الخوف والتمهل ...
وحين تظنني قد مت
أكون قد بدأت استيقظ 
مثل غابة مسكونة بالأسرار
وبأكثر مما نتوقع أو ندري ...
وحين تظن أنني قد بدأت أبكي
أكون قد اكتشفت كيف أضحك
بملء شفاه جرحي !..

أوغلنا معا في غابة الجنون
وتجاوزنا كل الأسلاك الشائكة
وضحكنا من كل لافتات " ممنوع المرور "
وها نحن اليوم نأكل جثة ذكرياتنا
على مائدة النسيان ...
مباركة كانت أيام الحب
ومباركة أيام الاحتضار
ومبارك انتحار الذاكرة ..

أودعك
وأعود إلى حروفي
ألفها جبيرة حول أعضاء أيامي
التي كسرتها الخيبة ..
وحدها عكازي
في مسيرة النسيان