الديوان : قصائد وشعر نزار قباني . الشاعر/الكاتب : نزار قباني

علـَّقت في بابها قنديلها
نازف الشريان، محمرَّ الفتيله
في زقاق ٍ ضوّأت أوكاره
كل بيتٍ فيه.. مأساة ٌ طويله
غـُرَفٌ.. ضيِّقة ٌ.. موبوءة
وعناوين (لماري) و(جميله)
وبمقهى الحيّ.. حاكٍ هرم ٌ
راح يجترُّ أغانيه الذليله
وعجوزٌ خلف نرجيلتها
عمرُها أقدم من عمر الرذيله
إنها آمرة البيت هنا..
تشم الكسلى.. وتسترضي العجوله
وأمام الباب صعلوكُ هوىً
تافه الهيئة.. مسلوب الفضيله
يعرض اللحم على قاضمه..
مثلما يعرض سمسارٌ خيوله
“هذه.. جاءت حديثاً سيّدي..
ناهدٌ ما زال في طور الطفولة”
“أو إذا شئت.. فرافق هذه..
إنها أشهى من الخمر الأصيله..”
أيُّ رقّ.. مثل أنثى ترتمي
تحت شاريها بأوراق ٍ ضئيله
قيمة الأنسان ما أحقرها
زعموه غاية.. وهو وسيله
لو ترى الردهة فيها اضطجعت
كل بنتٍ كانفتاح الزهره
نهدها منتظرٌ جزَّاره
صابرٌ حتى يلاقي قدَرَه
هذه المذهَبَة السن.. هنا
ترقب الباب بعين حذره
حسرت عن ركبةٍ شاحبةٍ
لونُها لونُ الحياة المنكره..
مَنْ سيأتي؟ من سيأتي معها..؟
أيُّ صعلوكٍ حقير ٍ نكره؟
وهناكَ انفردتْ واحدة ٌ
عطرُها أرخصُ من أن أذكرَه
حاجبٌ بُولغَ في تخطيطه
وطلاءٌ كجدار المقبره..
وفمٌ متّسعٌ.. متـّسعٌ
كغلافِ التينة المتعصره..
الفـُضوليُّون.. من خلف الكوى
أعينٌ، جائعة ٌ، مستعِرهْ
وشجارٌ دائرٌ في منزل ٍ
وسكارى.. ونكاتٌ قذرة
من رآهنَّ قوارير الهوى
كنعاج ٍ بانتظار المجزره
كم صبايا مثل ألوان الضحى
أفسدتهنّ عجوزٌ خطره

*
هذه المجدورة الوجه انزون
كوباءٍ.. كبعير ٍ نتن
أخرجت ساقاً لها معروقة ً
مثل ميتٍ خارج ٍ من كفن
حفرٌ في وجهها مرعبة ٌ
تركتها عجلات الزمن..
نهدها حبة تين نشفت
رحم الله زمان اللبن
فالعصافير التي كانت هنا ..
تتغذى بالشذا والسوسن
كلها طارت بعيدا” عندما
لم يعد في الارض غير الدمن ..
انها الحمسون .. ماذا بعدها ؟
غير هذا الوحل .. هذا العفن
غير هذي الكأس أستهلكها
غير هذا التبغ يستهلكني
غير تاريخ مدمى حيثما
سرت .. ألقى ظله يتبعني
غير أقدام الخطايا .. رجعت
تحرق الغرفة بي .. تحرقني ..
غير رب كنت لا أعرفه
وأراه الآن لا يعرفني ..
*
يالصوص اللحم .. ياتجارة
هكذا لحم السبايا يؤكل
منذ أن كان على الارض الهوى
أنتم الذئب … ونحن الحمل
نحن آلات هوى مجهدة
تفعل الحب .. ولا ينفعل
أنبشوا في جثث فاسدة
سارق الأكفان لا يختجل ..
وارقصوا فوق نهود صلبت
مات فيها النور .. مات المخمل
من أنا ؟ احدى خطاياكم أنا
نعجة في دمكم تغتسل
أشتهي الأسرة والطفل وأن
يحتويني مثل غيري .. منزل
أرجموني .. سددوا أحجاركم
كلكم يوم سقوطي .. بطل
ياقضاتي .. يا رماتي .. انكم
انكم أجبن من أن تعدلوا ..
لن تخيفوني . ففي شرعتكم
ينتصر الباغي .. ويرمى الأعزل
تسأل الأنثى اذا تزني .. وكم
مجرم دامي الزنا .. لا يسأل
وسرير واحد .. ضمهما
تسقط البنت .. ويحمى الرجل