الديوان : قصائد وشعر محمود درويش . الشاعر/الكاتب : محمود درويش

إنّك الأخضر . لا يشبهك الزيتون ، لا يمشي إليك 
الظلّ ، لا تتّسع لرايات صباحك . 
ووحيد في انعدام اللون ، 
تمتدّ من اليأس إلى اليأس 
وحيدا وغريبا كالرجاء الآسيويّ 
إنّك الأخضر ، من أوّل حمّلتك الاسم حتى 
أحدث الأسلحة 
الأخضر أنت الأخضر الطالع من معركة الألوان 
والغابات ريش في جناحك . 
وقتك القمح الجماعيّ ، الزفاف الدمويّ . 
إنّك الأخضر مثل الصرخة الأولى لطفل يدخل العالم 
من باب الخيانات ، 
ومثل الطلقة الأولى لجنديّ 
رأى قصر الشتاء الملكيّ . 
وانتظرناك على النرجس 
أجراسا وقتلى 
وخلقناك ، لكي تخلقنا 
ضوءا وظلا . 
إنّك الأخضر . لا يشبهك الزيتون ، لا يمشي إليك 
الظلّ .لا تتّسع الأرض لرايات صباحك 
ونشيدي لك يأتي دائما أسود من كثرة موتي قرب نيران 
جراحك 
فلتجدّد أيّها الأخضر موتي وانفجاري 
إنّ في حنجرتي عشرة آىلاف قتيل يطلبون الماء ، 
جدّد أيّها الأخضر صوتي وانتشاري 
إنّ في حنجرتي كفّا تهزّ النخل 
من أجل فتى يأتي نبيا 
أي : فدائيّا 
وجدّد أيّها الأخضر صوتي . إنّ في حنجرتي خارطة 
الحلم وأسماء المسيح الحيّ 
جدّد أيّها الأخضر موتي 
إنّ في جثّتي الأخرى فصولا وبلاد 
أيّها الأخضر في هذا السواد السائد ، الأخضر في بحث 
المناديل عن النيل وعن مهر العروس 
الأخضرالأخضر في كلّ البساتين التى أحرقها السلطان 
والأخضر في كلّ رماد 
لن أسمّيك انتقال الرمز من حلم إلى يوم 
أسمّيك الدم الطائر في هذا الزمان 
وأسمّيك انبعاث السنبله 
أيّها الطائر من جثّتي الكاملة المكتمله 
في فضاء واضح كالخبز ... 
يا أخضر ! لا يقترب البحر كثيرا من سؤالي 
أيّها الأخضر 
لا يبتعد البحر كثيرا عن سؤالي 
وأنا أذكر ، 
أو لا أذكر الحادثة الأولى ، 
ولكني أرى طقس اغتيالي 
وأنا العائد من كل اغتيال 
مستحيلا في جسد 
فلتواصل أيّها الأخضر 
لون النار والأرض وعمر الشهداء 
ولتحاول أيّها الأخضر 
أن تأتي من اليأس إلى اليأس 
وحيدا يائسا كالأنبياء 
ولتواصل أيّها الأخضر لونك 
ولتواصل أيّها الأخضر لوني 
إنّك الأخضر . والأخضر لا يعطي سوى الأخضر ، 
لا يشبهنا الزيتون ، 
لا يمشي إلينا الظلّ ، 
لا تتسع الأرض لوجهي 
في صباحك ! ...