الديوان : قصائد وشعر محمود درويش . الشاعر/الكاتب : محمود درويش

و أهبط الدرج الذي لا ينتهي بالقبو و الأعراس 
أصعد مرة أخرى على الدرج الذي لا ينتهي بقصيدة ... 
أهذي قليلا كي يكون الصحو و الجلاّد... 
أصرخ: أيّها الميلاد عذّبني لأصرخ أيّها الميلاد... 
من أجل التداعي أمتطي درب الشآم 
لعلّ لي رؤيا 
و أخجل من صدى الأجراس و هو يجيئني صدأ 
و أصرخ في أثينا: كيف تنهارين فينا؟ 
ثم أهمس في خيام البدو : 
وجهي ليس حنطيّا تماما و العروق مليئة بالقمح... 
أسأل آخر الإسلام : 
هل في البدء كان النفط 
أم في البدء كان السخط ؟ 
أهذي ،ربمّا أبدو غريبا عن بني قومي 
فقد يفرنقع الشعراء عن لغتي قليلا 
كي أنظفها من الماضي و منهم... 
لم أجد جدوى من الكلمات إلا رغبة الكلمات 
في تغيير صاحبها ... 
وداعا للذي سنراه 
للفجر الذي سيشقّنا عمّا قليل 
لمدينة ستعيدنا لمدينة 
لتطول رحلتنا و حكمتنا 
وداعا للسيوف و للنخيل 
لحماية ستطير من قلبين محروقين بالماضي 
إلى سقف من القرميد ... 
هل مرّ المحارب من هنا 
كقذيقة في الحرب؟ 
هل كسرت شظاياه كؤوس الشاي في المقهى؟ 
أرى مدنا من الورق المسلح بالملوك و بدلة الكاكي ؟ 
أرى مدنا تتوج فاتحيها 
و الشرق عكس الغرب أحيانا 
و شرق الغرب أحيانا 
و صورته و سلعته... 
أرى مدنا تتوّج فاتحيها 
و تصدّر الشهداء كي تستورد الويسكي 
و أحدث منجزات الجنس و التعذيب ... 
هل مرّ المحارب من هنا 
كقذيفة في الحرب؟ 
هل كسرت شظايا كؤوس الشاي في المقهى ؟ 
أرى مدنا تعلّق عاشقيها 
فوق أغصان الحديد 
و تشرّد الأسماء عند الفجر... 
...عند الفجر يأتي سادن الصنم الوحيد 
ماذا نودّع غير هذا السجن ؟ 
ماذا يخسر السجناء؟ 
نمشي نحو أغنية بعيدة 
نمشي إلى الحرية الأولى 
فنلمس فتنة الدنيا لأول مرة في العمر ... 
هذا الفجر أزرق 
و الهواء يرى و يؤكل مثل حبّ التين 
نصعد 
واحدا 
و ثلاثة 
مائة 
و ألفا 
باسم شعب نائم في هذه الساعات 
عند الفجر عند الفجر، نختتم القصيدة 
و نرتب الفوضى على درجات هذا الفجر 
بوركت الحياة 
و بورك الأحياء 
فوق الأرض 
لا تحت الطغاة 
تحيا الحياة ! 
تحيا الحياة ! 
قمر على بعلبك 
ودم على بيروت 
يا حلو، من صبّك 
فرسا من الياقوت! 
قل لي، و من كبّك 
نهرين في تابوت! 
يا ليت لي قلبك 
لأموت حين أموت 
...من مبنى بلا معنى إلى بلا مبنى وجدنا الحرب ... 
هل بيروت نرآه لنكسرها و ندخل في الشظايا 
أم مرايا نحن يكسرنا الهواء؟ 
تعال يا جندي حدثني عن الشرطيّ: 
هل أوصلت أزهاري إلى الشبّاك ؟ 
هل بلّغت صمتي للذين أحبّهم و لأول الشهداء؟ 
هل قتلاك ماتوا من أجلي و أجل البحر ... 
أم هجموا عليّ وجرّدوني من يد امرأة 
تعدّ الشاي لي و النّاي للمتحاربين ؟ 
و هل تغيّرت الكنيسة بعدما خلعوا على المطران زيّا عسكريا؟ 
أم تغيّرت الفريسة ؟ 
هل تغيرت الكنيسة 
أم تغيّرنا؟ 
شوارع حولنا تلتفّ 
خذ بيروت من بيروت، وزّعها على المدن 
النتيجة: فسحة للقبو 
ضع بيروت في بيروت ،واسحبها من المدن 
النتيجة: حانة للهو 
...نمشي بين قنبلتين 
_هل نعتاد هذا الموت ؟ 
_هل تعرف القتلى جميعا؟ 
_أعرف العشّاق من نظراتهم 
و أرى عليها القاتلات الراضيات بسحرهن و كيدهن 
..و ننحني لتمر قنبلة؟ 
نتابع ذكريات الحرب في أيامها الأولى 
_ترى، ذهبت قصيدتنا سدى 
_لا... لا أظنّ 
_إذن، لماذا تسبق الحرب القصيدة 
_نطلب الإيقاع من حجر فلا يأتي 
و للشعراء آلهة قديمة 
...و تمرّ قنبلة، فندخل حانة في فندق الكومودور 
_يعجبني كثيرا صمت رامبو 
أو رسائله التي نطقت بها إفريقيا 
_و خسرت كافافي 
_لماذا 
_قال لي: لا تترك الاسكندرية باحثا عن غيرها 
_ووجدت كافكا تحت جلدي نائما 
و ملائما لعباءة الكابوس ،و البوليس فينا 
_ارفعوا عنيّ يدي 
_ماذا ترى في الأفق؟ 
_أفقا آخرا 
_هل تعرف القتلى جميعا ؟ 
_و الذيت سيولدون... 
سيولدون 
تحت الشجر 
و سيولدون 
تحت المطر 
و سيولدون 
من الحجر 
و سيولدون 
من الشظايا 
يولدون 
من المرايا 
يولدون 
من الزوايا 
و سيولدون 
من الهزائم 
يولدون 
من الخواتم 
يولدون 
من البراعم 
و سيولدون 
من البداية 
يولدون 
من الحكاية 
يولدون 
بلا نهاية 
و سيولدون، و يكبرون، و يقتلون ، 
و يولدون، و يولدون، و يولدون